التعريف بالنظام العام

النظام العام
المقال الأول: التعريف بالنظام العام

كتبه الأستاذ/ محمود سلامة المحامي

المدير العام لشركة سلامة للمحاماة والقانون

إن النظام العام كفكرة يمتاز بالمرونة والتطور والحداثة على النحو الذي يصعب معه تحديد تعريف له، فقد استعصى على الفقهاء تعريفه تعريفًا جامعًا شاملًا، فظل للآن مكتنفًا بالغموض، والذي يعتبره الكثير من الفقهاء من أسرار عظمة النظام العام. ففكرة النظام العام نسبية مرنة تعبر عن الأسس الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية للمجتمع، وهي التي قد يجري عليها التغير بتغير ظروف المجتمع ذاته ومتطلباته، بل وما تفرضه عليه التحالفات والمعاهدات الدولية.

ورغم ذلك فإن الفقهاء والباحثين لا يزالون يجتهدون في وضع تعريف له، متخذين من المعيار المعنوي سبيلًا لذلك، وكذلك ما ظل ثابتًا من المظاهر المادية منذ ظهور فكرة النظام العام كبابٍ من أبواب البحثِ الأكاديمي.

والنظام العام في أبسط صوره ممتدٌ في عمق البشرية منذ نشأة المجتمعات، فهو روح المجتمع ونظامه المعلن والمعروف، ولم يكن في يومٍ ما مكتوبًا، وإنما ما كتب اعتبارًا بأنه من النظام العام كان تدوينًا قانونيًا لاعتبار أمور بعينها من النظام العام.

والنظام العام أخذ في الاتساع عن مفهومه التقليدي الذي كان يعني الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة، والتي كانت الأهداف العامة الرئيسية للدولة بجانب التعليم، ليشمل عناصر جديدة آخذة في التطور كالعناصر المتعلقة بالجانب الاقتصادي والجمالي للمدن والكرامة الإنسانية على النحو الذي يتبين منه مدى ارتباطه بغايات المجتمع والدولة، تعداها إلى أغراض أكثر حداثة وعصرية توافق وتواكب متطلبات المجتمعات وبالأخص بعد أن بدأت فكرة الاخلاق والفوارق المجتمعية فيها بالذوبان مع زيادة تطور الاتصال بين المجتمعات واختلاط الثقافات على نطاق واسعٍ.

ونستطيع أن نقول أنه أسس المجتمع التي يقوم عليها، وقد انتهى مجموع ما ناظرناه بحثًا إلى أنه ظاهرة قانونية واجتماعية تعبر عن روح النظام القانوني لجماعة ما. أو أنه مجموعة من القواعد قابلة للتطور والتجدد تعبر عن روح النظام القانوني للمجتمع على النحو الذي يلبي حاجاته ورغباته ويتوافق مع معتقداته وثوابته ومتغيراته على النحو الذي يضمن وحدة المجتمع وسلامته وسلامة أراضيه.