خصائص النظام العام

خصائص النظام العام

كتب الأستاذ/ محمود سلامة المحامي
مدير عام شركة سلامة للمحاماة والقانون

 

لكل قاعدة أو فكرة خصائص تعرف بها، ونعني بخصائص النظام العام، تلك الخصائص التي يعرف بها، وما هو متعلق به في ظل المعيار المعنوي والشكلي. فيمتاز النظام العام بالخصائص الآتية:

أولًا: النظام العام قواعد آمرة ملزمة

القاعدة الآمرة أو القاعدة القطعية هي قاعدة قانونية ملزمة لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف ما جاء بها من أحكام، وكل اتفاق على مخالفتها يكون باطلًا؛ فكافة المخاطبين بها على قدم المساواة أفرادًا وإدارةً، وكل تصرف يخالفها باطلٌ بطلانًا مطلقًا لا يرتب آثارًا قانونية. وهدف ذلك الحفاظ على المبادئ والمثل العليا للمجتمع.

فعلى مستوى القانون الخاص، يجب على المتعاقدين مراعاة النظام العام، وعدم مخالفته؛ وإلا قوبل التصرف ببطلانه؛ وعلى مستوى القانون العام، فإن هذه القواعد تتجلى كقيدٍ على الإرادة، وعلى حريات الأفراد أحيانًا؛ وقد تؤدي لتوسيع سلطات الإدارة في أحايين أخرى. فإضفاء صفة الإلزام على فكرة النظام العام، يرجع لإقامة الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، وتغليب الأخيرة على الأولى عند التعارض بينهما.

ومن صور الإلزام لهذه القواعد التزام القاضي بتطبيقها من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصوم.

ثانيًا: النظام العام قواعد مرنة ومتطورة.

فهي ليست قواعد قانونية جامدة، بل هي متطورة وواسعة المدلول. فالمشرع يقتصر دوره على بيان مضمونها تاركًا تحديد التصرفات التي تتعلق بالنظام العام وما لا يتعلق إلى رأي الفقه وأحكام القضاء فيما نسميه الفقه القضائي.

ويختلف مضمون النظام العام باختلاف مكانه وزمانه، فما يعد من قبيل النظام العام أو من المسائل المتعلقة به في دولة لا يعد كذلك في دولةٍ أخرى، وما يعد في عصرنا هذا من النظام العام قد لا يعد بعد مائة سنة كذلك. فالنظام العام بطبيعته، تعبيرًا جليًا لأسس المجتمع وهي القابلة للتطور والتغيير.

وفي ذلك قال الفقيه القانوني الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمة الله عليه * ”لا نستطيع أن نحصر النظام العام في دائرة دون أخرى، فهو شيء متغير، يضيق ويتسع حسب ما يعد في حضارة معينة مصلحة عامة، ولا توجد قاعدة ثابتة، تحدد النظام العام تحديدًا مطلقًا، يتماشى مع كل زمان ومكان، لأن النظام العام شيء نسبي، وكل ما نستطيع، هو أن نضع معيارًا مرنًا، يكون معيار المصلحة العامة، وتطبيق هذا المعيار في حضارة معينة، يؤدي إلى نتائج، غير التي نصل إليها في حضارة أخرى” د.عبد الرزاق احمد السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، ج1، مصادر الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، 1952، ص399

ثالثًا: النظام العام بناءٌ تشاركيٌّ.

وإنَّهُ لمن أبرز خصائص النظام العام، عدم انفراد السلطة التشريعية بتحديده؛  وإنما يعتبر دور المشرع في النظام العام هو الصياغة، بعد أن يبنيه المجتمع.

فتقاليد المجتمع، والعرف السائد، فيه الدور الأكبر في تشكيل فكرة النظام العام الخاص بهذا المجتمع، ويكون ذلك ترجمةً بالغةَ الدقة لما يقبله أو ينكره أفراده، والذي يستمد منهم النظام العام خاصيته الإلزامية.

وليس أفراد المجتمع وحدهم هم من يبنون ويشكلون النظام العام، وإنما للفقه القضائي وأحكام القضاء دورًا عظيمًا في هذا الصدد، فتلتقي بذلك الأعراف والتقاليد مع الوعي الفقهي ومهارات التحليل والاستنتاج في ظل روح القانون بحيث لا يبتعد القاضي بتحليله واستنتاجه خارج فلك الأعراف والتقاليد وما يقبله الأفراد وما ينكرونه.

رابعًا: يمتاز النظام العام بالعمومية والحماية العمومية.

فإن النظام العام يعالج الحفاظ على المبادئ والأسس التي يتشكل على أساسها المجتمع بكافة أطيافه، فالمساس به مساس بالمجتمع ذاته حتى وإن كان الضرر الحاصل من ذلك واقعًا على أحد أفراد المجتمع دون باقي أفراده.

ويمتاز النظام العام بالعمومية، نظرًا لتولي جهات الضبط الإداري مهمة حمايته، فيكون هو المبرر الأكبر والأعظم لتقييد بعض حريات الأفراد العامة، فرادى أو جماعات.

ولا يعتبر كل قيد وارد على حرية أحد الأفراد بعينه مبرره النظام العام، لمجرد اتخاذ سلطات الضبط الإداري من الإجراءات ما يغير من مركزه القانوني، مع تساويه في مركزه الأصلي، مع العديد من مماثليه.

وفي حكم لها، قضت المحكمة الإدارية العليا بأنَّهُ و “لئن كان حظر تشغيل المطحنة ليلًا، لا يعدو كونه مجرد تنظيم، حتى لا يسبب تشغيلها في هذا الوقت قلقًا وإزعاجًا للسكان، إلا إن المحكمة تسارع إلى التنبيه، على إنَّ مثل هذا التنظيم، يجب أن يصدر بشكل قرار عام، يسري على المطاحن كافة… أما أن يُقيدُ مطحنة بذاتها، ليحظر عليها التشغيل ليلًا بقرار فردي، قبل أن يكون مسبوقًا بهذا التنظيم العام، الذي يسري على الكافة فيما لو حدد، ففيه مجاوزة للسلطة…” قرار 79 في 16/4/1960، أورده د. عبد الرؤوف هاشم محمد بسيوني في مؤلفه “نظرية الضبط الإداري في النظم الوضعية المعاصرة وفي الشريعة الإسلامية.

فيجب أن تكون القاعدة الآمرة الملزمة عن مسألة تعتبر من النظام العام  عامة تخاطب الكافة على قدم المساواة.