التوقف عن الدفع كشرط لشهر الإفلاس وشروطه
Stopping payment as a condition for declaring bankruptcy
كتبه: الأستاذ/ محمود سلامة المحامي
المدير العام لشركة سلامة للمحاماة والقانون
يعتبرُ التوقف عن الدفع شرطًا من شروط حالة الإفلاس، والتي نصت عليها المادة 75 من القانون رقم 11 لسنة 2018 في فقرتها الأولى بأنه “يعد في حالة الإفلاس كل تاجر ملزم بموجب أحكام هذا القانون… إذا توقف عن دفع ديونه التجارية إثر اضطراب أعماله المالية” وكذلك كان النص في المادة 550 الملغاة من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 هوما جاء بهذا النص ذاته.
أما المادة 195 من قانون التجارة الأهلي فكانت تنص على أن “كل تاجر وقف عن دفع ديونه يعتبر في حالة الإفلاس ويلزم شهر إفلاسه بحكم يصدر بذلك”
وقد حذا القانون الجديد حذو القانونين السابقين في عدم وضع تعريف ليكون التعريف واقعًا بين الفقهاء باتجاهيهما التقليدي والحديث، ولكن ما يعنينا هنا هو شروط الدين المتوقف عن دفعه ليعتبر بذلك شرطًا لإشهار الإفلاس.
الشروط الواجب توافرها في الدين المتوقف عن دفعه.
يجب لاعتبار التوقف عن دفع الديون على النحو السالف بيانه موجبًا لشهر الإفلاس أن يتوافر فيه شرطان، واللذان إن خلا منهما لم يكن دينًا معتبرًا في التوقف الموجب لشهر الإفلاس:
أولًا/ أن يكون الدين تجاريًّا خاليًا من النزاع.
فلا محل لإعمال التوقف عن الدفع إن كان على ديونٍ مدنيةٍ، لا علاقة لها بالبيئة التجارية والعلاقات الناشئة فيها.
وكذا لا يجوز الاعتبار في التوقف عن الدفع بدينٍ محل نظرٍ قضائيٍّ، إذ أن مجرد وجود نزاعٍ في الدين فإنه يكونُ غير مرجح إلا بصدور حكمٍ قضائيٍّ بات يحوز حجية الأمر المقضي، كون الحكم القضائي البات عنوان الحقيقة وكاشفها.
ويجب أن نتعرض لمفهوم الدين التجاري الخالي من النزاع كشرطٍ من شروطِ التوقف عن الدفع الموجب لشهر الإفلاس.
فمن ناحية تجارية الدين:
يجب أن يكون الدين غير المدفوع تجاريًا، فلا يعتد في شهر الإفلاس بالديون المدنية، والدين التجاري هو الدين الناشئ عن علاقة تجارية بين التاجر وغيره من التجار، في البيئة التجارية.
فشهر إفلاس التاجر لا يحصلُ إلا بسبب امتناعه عن دفع دينٍ تجارى، وهو ما استقر عليه القضاء؛ فالإفلاس نظام خاص بالتجارِ لحماية الائتمان التجاري ورعايته.(1)
فالتوقفُ عن دفع الديون التجارية هو الذي من شأنه إحداث اضطراب في سلسلة علاقات المديونية الناشئة ببن التجار؛ أما التوقف عن دفع دين مدني، فليس من شأنه إحداث ذلك الأثر.
ومع ذلك، يجوز للدائن بدين مدني أن يطلب شهر إفلاس مدينه التاجر، متى أثبت أنه متوقف عن دفع ديون تجارية.
غير أن توقف التاجر عن الوفاء بدين مدني لا يكون له النتائج ذاتها المترتبة على التوقف عن دفع دين تجاري.
ولا يشترط أن تكون هناك ديون متعددة، حتى تكون مبررًا لطلب شهر الإفلاس، فيكفى لطلب شهر إفلاس المدين أن يكون متوقفًا عن سداد دينٍ واحدٍ، ما دام أن هذا التوقف مقترنٌ باضطراب أوضاعه.
ولا يجوز المنازعة في تجارية الدين لأول مرة أمام محكمة النقض، إذا لم يكن الطاعن قد تمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع.
ويكون الدين تجاريًا إذا كان ناشئًا عن عمل تجاري(2) ويستوي بعد ذلك أن يكون الدين تجاريًا بطبيعته، أو تجاريًا بالتبعية(3)، أو يكون له ضمانات خاصة أم لا.
وقد يكون الدين مختلطًا، وفي هذه الحالة يختلف الوضع، بحسب ما إذا كان القانون التجاري يطبق على هذا العمل بالنسبة للطرفين أم لا، فإن لم يكن تجاريًا بالنسبة للطرفين تكون العبرة بطبيعة الدين بالنسبة للمدين، وبالتالي لا يشهر إفلاس المدين إلا إذا كانَ الدين تجاريًا بالنسبة إليه، ولو كان مدنيًا بالنسبة للطرف الآخر.
وترتيبًا على ذلك؛ يعتد بوصف الدين لحظة الوقوف عن الدفع، وليس منذ نشوء الدين، فلا يعد توقفًا عن الدفع امتناع التاجر عن سداد ديونه المدنية، أو ديونه التي نشأت تجارية ثم تحولت إلى مدنية عند التوقف عن دفعها.
وعلى العكس من ذلك، يشهر إفلاس التاجر إذا توقف عن دفع دين نشأ مدنيًا، ثم أصبح عند حلول أجله دينًا تجاريًا؛ أما الدين غير التجاري كعدم دفع أجرة السكن العائلي فإنه لا يكون سببًا لشهر الإفلاس.(4)
ومتى حكم بشهر الإفلاس كان من حق جميع الدائنين التقدم بديونهم في التفليسة، والاشتراك في إجراءاتها سواء كانت ديونهم مدنية أم تجارية، باعتبار أن الإفلاس تصفية جماعية لكل أموال المدين.
ومن ناحية/ خلو الدين من النزاع.
فيجب أن يكون الدين التجاري المتوقف عن دفعه خاليًا من النزاع بشأنه، حيث إن النزاع هو سببٌ مقبولٌ للتوقف عن الدفعِ من ناحيةٍ، وإن النزاع حول الدين من حيث استحقاقه أو مقداره أو حلوله يجعل منه دينًا غير متحقق الوجود، بحاجة إلى انتهاء النزاعِ، للوقوفِ على حقيقتهِ من ناحيةٍ أخرى.
وقد قررت محكمة النقض المصرية أن “الدين الذي يشهر الإفلاس عند التوقف عن دفعه. شرطه. خلوه من النزاع الفصل في طلب الإفلاس يوجب على محكمة الموضوع أن تعرض لجميع النزاعات التي يثيرها المدين حول صحة الدين لتقدير مدى جديته(5)
كما قررت أن “الحكم بإشهار الإفلاس لا يشترط فيه تعدد الديون التي توقف التاجر عن الوفاء بها جدية المنازعة في الدين. لمحكمة الموضوع استخلاصه من أية ورقة في الدعوى(6) وعلى أساس مما سبق فلا يجوز نظر دعوى الإفلاس ما أثبت المدين كون الدين المدعى بالتوقف عن دفعه محل نزاع.
ويشترط أن تكون المنازعة في الدين جدية، وإلا تجاوزتها المحكمة وقضت بشهر الإفلاس، على أن منازعة المدين الجدية في أحد الديون لا تمنع من شهر الإفلاس إذا توقف عن دفع دين آخر غير متنازع عليه.(7)
ثانيًا: أن يكون الدين مبلغًا من النقود معين المقدار حال الأداء.
فمن ناحية/ تعيين مقدار الدين نقدًا.
فإنَّ تعيين المقدار، هو أن يحدد الدين بدقةٍ تنتفي معها الجهالة، فلا يجوز أن يكون الدين محل التوقف عن الدفع تقريبيًا، بل يجب أن يكون قدره واضحًا وثابتًا في الأوراقِ التجاريةِ، مكتوبًا لا شفاهيًّا.
فلو نازع المدين في الدين المدعى به وكانت منازعته جدية فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بشهر الإفلاس.
والسبب في تطلب هذا الشرط، أن الإفلاس يعتبر إجراءًا تنفيذيًّا، يهدف إلى توزيع مبالغ من النقود، وتلك المبالغ يجب أن تكون موجودة في ذمة المدين وقت التنفيذ، وهذا يتطلب أن يكون الدين المطالب به من نفس الطبيعة، وعلاوة على ذلك فإن إجراءت الإفلاس يجب أن تتم في أسرع وقت ممكن وهذا يتعارض مع كون الدين المطالب به يحتاج لتحويله إلى مبالغ نقدية.(8)
فلا يجوز أن يكون الدين -الذي يوجب التوقف عن أدائِهِ شهر إفلاس التاجر المدين- عقارًا أو منقولًا، بل يجب أن يكون نقدًا، يتعين مقداره بالعملة، تستوي في ذلك كافة العملات، ما دامت عملات يجوز تداولها في سوق الصرف، ولكن يكون بعملة التداول الفعلي بين التاجر المدين والدائنين مالم ينص العقد بينهم على غير ذلك.
أما إذا كان محل التزام المدين المطلوب شهر إفلاسه القيام بعمل، كالتزامه بتسليم شيء، أو أداء خدمات معينة؛ فلا يكون هناك محل لشهر إفلاسه لو امتنع عن تنفيذه، مادام أنه لم يتحول إلى تعويض، وامتنع المدين عن أدائه.
كذلك يتعين أن يكون ذلك المبلغ الذي توقف المدين عن وفائه محدد المقدار، فإذا كان كذلك في بعضه دون البعض الآخر، جاز الاعتبار في شهر الإفلاس بالنسبة إلى البعض المعين المقدار والخالي من النزاع(9)
ومن حيث: حلول أداء الدين.
فلا محل للاعتبار بدين لم يحل أجله بعد، ولا مجال للأخذ بعدم دفعه، لأن عدم الدفع إنما هو من طبيعته قبل حلول موعده.
وحلول الدين يعني أن يكون قابلًا للتنفيذ في الحال، ومن ثم لا يجوز طلب شهر إفلاس المدين التاجر بسبب دين طبيعي، ليس بإمكان الدائن إجباره على الوفاء به. (10)
ولا يجوز طلب شهر إفلاس المدين التاجر بسبب دين احتمالي، فلا يجوز للشريك طلب شهر إفلاس الشركة لعدم قيامها بدفع حصته من الأرباح، ذلك أنه لا يصبح دائنًا بأرباحه إلا بعد أن تقرر الجمعية العمومية للشركة توزيع هذه الأرباح، إذ يلزم أولًا لحل الشركة تصفيتها، أما قبل ذلك فلا يكون للشريك حق نقدي. (11)
إلا أن المشرع في قانون الإفلاس قد أجاز –في بعض الحالات- للدائن بدين آجل أن يطلب شهر الإفلاس، حيث تقضي المادة 78 الفقرة الثانية من القانون 11 لسنة 2018 أنه “ويكون للدائن بدين آجل الحق في طلب شهر الإفلاس، إذا لم يكن لمدينه التاجر موطن معروف في مصر، أو إذا لجأ إلى الفرار، أو أغلق متجره، أو شرع في تصفيته، أو أجرى تصرفات ضارة بدائنيه، بشرط أن يقدم الدائن ما يثبت أن المدين توقف عن دفع ديونه التجارية الحالة”
ولكن لا يكفي وفقًا للمادة المذكورة توافر إحدى تلك الحالات، بل يشترط أن تكون مقترنة بما يثبت أن المدين متوقف عن دفع ديونه التجارية الحالة، وهي الديون التجارية بخلاف دين التاجر طالب شهر الإفلاس الذي لم يحل أجل الوفاء به بعد.
_________________________________________________________
(1) حكم محكمة التمييز اللبنانية، 28 /10 ،1954 ،النشرة القضائية 1954 ،ص800 ، مصنف شمس الدين، ص28 .وكذلك حكم محكمة التمييز اللبنانية، رقم 11، الصادر في 15 /2 /1966، مجموعة باز ص95، سنة1966، مصنف شمس الدين، ص29. وردت الإشارة لدى مجلة جامعة القدس، للأبحاث والدراسات، العدد الحداي والثلاثون، 2013. مشار له في د. حمدي محمود البارودي، التوقف عن الدفع كأساس لشهر الإفلاس.. دراسة في قانون الإفلاس رقم 3 لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة، ومشروع قانون التجارة الفلسطيني، وبعض التشريعات العربية، النسخة الإلكترونية بصيغة PDF. ص 262.
(2) الطعن رقم 195 لسنة 30 قضاية جلسة 11 من فبراير سنة 1965. المكتب الفني، مدني، العدد الأول، س 16، ص 155.
(3) هاني حممد دويدار، العقود التجارية، ص692 ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، لبنان، طبعة 1997. ص 688.
(4) د. حمدي محمود البارودي، التوقف عن الدفع كأساس لشهر الإفلاس.. دراسة في قانون الإفلاس رقم 3 لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة، ومشروع قانون التجارة الفلسطيني، وبعض التشريعات العربية، النسخة الإلكترونية بصيغة PDF. ص 262 متضمنًا الإشارة إلى د. أسامه نائل المحيسن، الوجيز في الشركات التجارية والإفلاس، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، طبعة2009، ص310.
(5) (الطعن رقم 2506 لسنة 57ق، جلسة 14/11/1988)
(6) (الطعن رقم 246 لسنة 36 القضائية جلسة 15 من ديسمبر سنة 1970)
(7) د. رضا السيد عبد الحميد، القانون التجاري، الجزء الثالث، الإفلاس وفقًا للقانون رقم 17 لسنة 1999، بدون دار نشر، طبعة 2001، ص74.
(8) د. رضا السيد عبد الحميد، مرجع سابق، ص 76
(9) د. إلياس ناصيف، الموسوعة التجارية الشاملة، الإفلاس في القانون التجاري اليمني، بدون دار نشر، 1988، ص 126.
(10) د رفعت فخري و عبد الحكم عثمان، الوجيز في الإفلاس، بدون دار نشر، طبعة 1994، ص 92.
(11) د. علي جمال الدين عوض، الإفلاس في قانون التجارة الجديد، دار النهضة العربية، دون سنة نشر، ص58 بند 55.