مدى مسؤولية القائم بالرعاية عن الأضرار الناشئة عن أفعال الطفل في القانون المدني.

مدى مسؤولية القائم بالرعاية عن الأضرار الناشئة عن أفعال الطفل.

إن حماية المجتمع مرتبطةٌ بحماية حقوق الأفراد، وهو الأمر الذي يتطلب وضع حدود واضحة لمسؤولية الأشخاص عن أفعال الغير، لا سيما عندما يكون هذا (الغير) طفلًا قاصرًا غير مكتمل الأهلية.

وقد أوضح القانون المدني القواعد مدى مسؤولية الأشخاص عن أفعال الغير، حيث إن القائمين على رعاية الطفل، أقاربَ أو سواهم، هم المسؤولون عن الأضرار التي قد يتسبب بها الطفل للغير، ويستند ذلك إلى القول بأن الطفل غير مكتمل الأهلية القانونية لتحمل المسؤولية المدنية عن أفعاله بنفسه؛ ومن ثمّ، يقع العبء على من يتولى رعايته، سواء كان والدًا، أو وصيًا، أو حتى مؤسسة تربوية.

كافة الحقوق محفوظة لشركة سلامة للمحاماة والقانون

وتنص المادة ١٧٠ من القانون المدني المصري على أنه: “يكون المتبوع مسئولًا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعًا منه في حال تأديته وظيفته أو بسببها. وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرًا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة في رقابته وتوجيهه.” وبالرغم من أن هذا النص يوضح مدى مسؤولية المتبوع تجاه تابعه عن أفعاله غير المشروعة، إلا أنه يُعدّ قاعدة عامة يمكن تطبيقها على علاقة القائم بالرعاية والطفل.

وفي السياق ذاته، تنص المادة ١٧٤ من القانون المدني على أنه: “يكون الوالدون ومن يقوم مقامهم مسئولين عن الأضرار التي يحدثها القاصرون الذين تحت رقابتهم. ومع ذلك إذا أثبت الوالدان أو من يقوم مقامهم أنهم قاموا بواجب الرقابة كما ينبغي أو أن الضرر كان لابد واقعًا ولو قاموا بهذا الواجب بما ينبغي، فلا يكون عليهم أي التزام.” وبذلك يوضح النص مدى مسؤولية الوالدين أو من يقوم مقامهم عن الأفعال الضارة التي يرتكبها القاصرون، ويشير إلى أن هذه المسؤولية ليست مطلقة، بل يمكن للقائم بالرعاية دفعها إذا أثبت أنه قام بواجبه في الرقابة.

ومن الأحكام الهامة التي أكدت هذا المبدأ، حكم محكمة النقض المصرية رقم ٣٨٧ لسنة ٤٤ ق جلسة ٢٦/١٢/١٩٨١، الذي جاء فيه: “مسؤولية الوالدين عن أفعال أبنائهما القصر لا تقوم إلا إذا ثبت أن الضرر قد وقع بسبب تقصيرهما في واجب الرقابة. فإذا كان الضرر ناتجًا عن سبب آخر لا يمكن إسناده إلى تقصير الوالدين، انتفت المسؤولية.” هذا الحكم يعزز فكرة أن المسؤولية عن أفعال الطفل ليست حتمية أو تلقائية، بل ترتبط بتقصير القائم بالرعاية في أداء واجباته.

وفي حيثيات الحكم في الطعن رقم ١٢٤١ لسنة ٦٧ ق، جاء: “إنّ مسؤولية الوالدين أو من يقوم مقامهم عن الأضرار التي يحدثها القاصرون تتطلب إثبات تقصير في الرقابة، ومن ثمّ إذا انتفى هذا التقصير، انتفت معه المسؤولية.” الأمر الذي معه يكون هذا الحكم معززًا الموقف القانوني القائم على ضرورة الربط بين الفعل الضار للطفل وبين قصور الرقابة من القائم بالرعاية.

ويتبين من نصوص القانون وأحكام القضاء السابقة أن المسؤولية عن أفعال الطفل الضارة تستند إلى مبدأ الرعاية والرقابة. فالقانون لا ينظر إلى الطفل كمصدر مباشر للمسؤولية المدنية، بل ينظر إلى من يقوم على رعايته باعتباره الشخص الذي يتحمل هذه المسؤولية. ولا يعني هذا إطلاقًا أن القائم بالرعاية يتحمل المسؤولية في جميع الأحوال عن الذي يقوم برعايته، بل إنه يُمنح فرصة لإثبات عدم تقصيره في الرقابة.

ولا يعني انتفاء مسؤولية القائم برعاية الطفلِ عن الاضرار التي تنشأ بسبب أفعاله الضارة ضياع حقوق المضرور، وإنما ما أوردناه إنما هو تحديد لمدى هذه المسؤولية، وتظل حقوق المضرور محفوظةً، إذ إن الأصل فيها أن التعويض يكون واردًا على أموال مرتكب الفعل الضار وإن كان قاصرًا، ما دام له مال، إذ إن الذمة المالية للطفل منفصلة عن ذمة القائم برعايته أيًا ما يكون، والدًا كانَ وصيًا أو معهود له بالرعاية، إذ إن القانون يسعى إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق المجتمع وحقوق الأفراد، بما في ذلك حماية الأطفال وعدم تحميلهم مسؤولية أفعالهم في سن مبكرة، وفي نفس الوقت ضمان أن من يتولى رعايتهم يتحمل مسؤولية الرقابة والإشراف الكافي عليهم، دون التعرض لحقوق المضرور بالانتقاص أو النفي.