معاهدة عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) وموقف مصر منها

معاهدة عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) وموقف مصر منها

 

كتبه: الأستاذ/ محمود سلامة المحامي.

مير عام شركة سلامة للمحاماة والقانون

ماجيستير القانون الخاص والتحكيم التجاري الدولي

 

تعد معاهدة عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) من أهم المعاهدات التي تحكم التعاملات التجارية الدولية المتعلقة ببيع البضائع؛ وتهدف الاتفاقية إلى توحيد القواعد التي تحكم عقود البيع الدولي، وتقليل الحواجز القانونية التي تواجه التجارة بين الدول المختلفة. و(CISG) هو اختصار لعبارة (Convention on Contracts for the International Sale of Goods) وهي التسمية الرسمية لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع.

أصل الاتفاقية وتاريخها

وتعود فكرة إنشاء إطار قانوني موحد لتنظيم عقود البيع الدولي للبضائع إلى منتصف القرن العشرين؛ وفي تلك الفترة، كان هناك وعي متزايد بالحاجة إلى نظام قانوني موحد، يسهل التجارة الدولية، ويقلل من التحديات القانونية التي يمكن أن تنشأ بسبب التباين في القوانين الوطنية المتعلقة بعقود البيع؛ نتيجة لذلك، بدأت جهود دولية لتطوير اتفاقية يمكن أن تعتمدها العديد من الدول كقانون يحكم هذه العقود.

ومن الجدير بالذكرِ أن أحد المحطات الهامة في تطور هذه الجهود كان في عام 1964، عندما اعتُمِدتِ اتفاقيتين دوليتين في لاهاي: (اتفاقية لاهاي لعقود البيع الدولي للبضائع) و(اتفاقية لاهاي بشأن تكوين عقود البيع الدولي للبضائع)؛ ورغم اعتماد هاتين الاتفاقيتين، إلا أنهما لم تحققا النجاح المرجو، إذ إن عددًا قليلًا من الدول قد صادق عليهما، وبالتالي لم تصبحا معايير معتمدة عالميًا.

وفي ضوء هذه النتائج، كُلفتْ (لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي) المعروفة بـ (UNCITRAL) بمهمة تطوير إطار قانوني جديد، يكون أكثر شمولية وقبولًا عالميًا. وبعد سنوات من العمل والمفاوضات، صيغتِ الاتفاقيةُ الجديدة، واعتُمدتْ في مؤتمرٍ دبلوماسيٍّ عقد في (فيينا) في عام 1980. وعُرفت هذه الاتفاقية لاحقًا باسم (اتفاقية فيينا(، والمعروفة الآن بـ (CISG)، وقد دخلت حيز التنفيذ في 1 يناير 1988 بعد أن صادقت عليها عشر دول.

وجديرٌ بالذكر أنَّ المملكة العربية السعودية قد انضمت رسميًّا إلى الاتفاقية بعد موافقة مجلس وزراء المملكة العربية السعودية على انضمام المملكة للاتفاقية بتاريخ ٢٠-٦-٢٠٢٣م؛ لتكون بذلك الدولة السادسة والتسعين انضمامًا للاتفاقية؛ حيث دخلت الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة للمملكة –باستثناء جزئها الثالث– في ١-٩-٢٠٢٤م.

نطاق تطبيق الاتفاقية

ومن حيثُ نطق تطبيق الاتفاقية؛ فإنها تُطبق على عقود بيع البضائع بين الأطراف التي توجد أعمالها التجارية في دول مختلفة. وهي تنطبق بشكل تلقائي، إذا كانت الدول المعنية طرفًا في الاتفاقية، أو إذا اختارت الأطراف تطبيقها على عقودهم.

ومع ذلك، فإن الاتفاقية تتيح للأطراف حرية الاتفاق على استبعاد بعض أحكامها أو الاتفاق على تعديل بعض منها بما يتناسب مع مصالحهم التجارية. بمعنى أن الاتفاقية توفر إطارًا قانونيًا مرنًا يمكن للأطراف تكييفه وفقًا لاحتياجاتهم، وما يتناسب مع مصالحهم.

 

المبادئ الأساسية للاتفاقية

وتستند CISG إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الدولية من خلال توفير نظام قانوني واضح ومتفق عليه لحل النزاعات التي قد تنشأ عن عقود البيع الدولي. من بين هذه المبادئ:

حرية العقود:

فالاتفاقية تعترف بحق الأطراف في تحديد شروط عقد البيع وتعديله أو استبعاده، مع الالتزام بمبادئ حسن النية في تنفيذ العقود.

المساواة في المعاملة:

حيث تهدف الاتفاقية إلى توفير توازن بين مصالح البائع والمشتري من خلال تحديد التزامات واضحة لكلي الطرفين.

المرونة:

حيث إن الاتفاقية تقدم قواعد مرنة يمكن تطبيقها على مختلف أنواع العقود التجارية، وهي تأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية والقانونية بين الدول المختلفة.

الحد من المخاطر:

فمن خلال تحديد قواعد موحدة، تقلل الاتفاقية من المخاطر القانونية التي قد تنشأ بسبب التباين في القوانين الوطنية، مما يشجع على زيادة التدفقات التجارية بين الدول.

 

المعاهدات المتعلقة بـ CISG

منذ اعتماد اتفاقية CISG، أصبحت واحدة من أهم المعاهدات الدولية التي تحكم التجارة الدولية؛ ومع ذلك، هناك معاهدات أخرى تتكامل معها، وتساهم في تشكيل الإطار القانوني العام لعقود البيع الدولي للبضائع؛ ومن بين هذه المعاهدات:

 

اتفاقية لاهاي لعام 1955 بشأن القانون واجب التطبيق على عقود البيع الدولي للبضائع:

فعلى الرغم من أن CISG توفر قواعد موحدة، إلا أن هناك حالات لا تزال تحتاج إلى تحديد القانون واجب التطبيق على بعض جوانب العقود التي لم تغطِّها الاتفاقية بشكل مباشر.

اتفاقية الأمم المتحدة بشأن فترات التقادم في البيع الدولي للبضائع (1974):

وهي التي تنظم المواعيد الإجرائية التي يجب خلالها تقديم الدعاوى القضائية المتعلقة بالعقود التي تحكمها CISG.

اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية (2005):

وتتكامل هذه الاتفاقية مع CISG من خلال توفير إطار قانوني لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في إبرام وتنفيذ عقود البيع الدولي، مما يعزز من مرونة التجارة الدولية في العصر الحديث.

اتفاقية الأمم المتحدة بشأن النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر (هامبورغ 1978): على الرغم من أن هذه الاتفاقية لا تتعلق بشكل مباشر بعقود البيع، إلا أنها تؤثر على العلاقة بين الأطراف في سياق عقود البيع التي تشمل نقل البضائع بحرًا.

 

تأثير الاتفاقية في القانون الدولي

منذ دخولها حيز التنفيذ، أصبحت CISG واحدة من أنجح الاتفاقيات في مجال القانون التجاري الدولي، حيث صادقت عليها 96 دولة حول العالم حتى تاريخ تحرير هذا المقال، مما يعني أنها تؤثر على ما يقرب من ثلثي التجارة العالمية. ونتيجة لذلك، أصبحت CISG أداة حيوية للشركات والمحامين في مجال التجارة الدولية؛ حيثُ إن أحد الجوانب الهامة في نجاح CISG هو أنها توفر قواعد قانونية موحدة تنطبق على مجموعة واسعة من الحالات، مما يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى القوانين الوطنية التي قد تكون غير متوافقة أو متناقضة، بما يسهل حل النزاعات التجارية، ويقلل من التكلفة والوقت اللازمين لتسوية الخلافات، وذلك من المتطلبات الهامة للتجارة الدولية، والتي تتأثر بعاملي الوقت والتكلفة.

 

التحديات والانتقادات

رغم النجاح الكبير الذي أحرزته CISG، إلَّا أنها قد واجهت بعض التحديات والانتقادات. ولعل أحد أبرز هذه التحديات هو تفاوت التطبيق القضائي للاتفاقية بين الدول المختلفة، نظرًا لأن القضاة في مختلف البلدان قد يفسرون أحكام الاتفاقية بطرق مختلفة بما يتوافق مع قوانينهم الوطنية، الامر الذي معه يكون نشوء تباينات في كيفية تطبيق القواعد القانونية للاتفاقية أمرًا ممكنًا.

وقد انتقد جانب من الفقه الاتفاقية لكونها لا تغطي جميع جوانب عقود البيع الدولي، مثل مسألة ملكية البضائع ونقلها، ولذلك فقد يحتاج الأطراف في بعض الأحيان الرجوع إلى قوانين وطنية، أو اتفاقيات دولية أخرى، لاستكمال الجوانب التي لم تغطها CISG.

 

موقف مصر من الانضمام للاتفاقية

في الختام، ورغم ما تمثله اتفاقية عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) كخطوة مهمة نحو توحيد القواعد القانونية التي تحكم التجارة الدولية، ورغم نجاحها في توفير إطار قانوني موحد ومرن يعزز الثقة بين الأطراف التجارية ويشجع على زيادة التبادلات التجارية بين الدول، وما لها تأثير كبير على كيفية تنظيم العلاقات التجارية عبر الحدود.

رغم ذك لم تنضم مصر إلى الاتفاقية؛ على الرغم من أن مصر تعتبر واحدة من الدول النشطة في التجارة الدولية، ولكنها لم تصادق على هذه الاتفاقية حتى الآن. بما يعني أن عقود البيع الدولي للبضائع التي تشارك فيها الشركات المصرية لا تخضع تلقائيًا لأحكام هذه الاتفاقية، بل تكون محكومة بالقوانين الوطنية أو أي اتفاقيات دولية أخرى تكون مصر طرفًا فيها.

وقد تعتمد الشركات المصرية على أحكام القانون المدني المصري أو على القوانين الأخرى ذات الصلة في تنظيم عقود البيع الدولي، مع إمكانية الاتفاق بين الأطراف على تطبيق قوانين دول أخرى أو معاهدات دولية أخرى حسب الاتفاق، أو أن تتفق مصر على تطبيق قواعد اتفاقية عقود البيع الدولي للبضائع (CISG) كقواعد نموذجية شأنها شأن قواعد اليونيسترال، بشكل اتفاقي على العقود التي تقرر بشأنها ذلك، وليس بشكل تلقائي على كافة عقود البيع الدولية التي تكون طرفًا فيها.

وفي النهاية لا نجد إشكالًا كبيرًا في عدم انضمام مصر لهذه الاتفاقية، حيث إن الاتفاقية ذاتها تقف في منطقة وسطى بين كونها اتفاقية وكونها قواعد يجوز الاتفاق على كلها أو بعضها أو على استبعادها، أو على استخدامها كقواعد نموذجية تطبق على أحد العقود دون غيرها وهكذا؛ فالمرونة التي تقدمها الاتفاقية بخصوص قواعدها وأحكامها لم تجعل من نظرنا خطرًا على التجارة الدولية أو افتقاد لميزة من المزايا تتأثر بها جمهورية مصر العربية وتجارتها على نحوٍ يخلُّ بمستهدفاتها الاقتصادية.