عقود الكونسورتيوم وموقف القانون المصري منها

عقود الكونسورتيوم وموقف القانون المصري منها

كتبه الأستاذ/ محمود سلامة، المحامي

ماجيستير القانون الخاص والتحكيم التجاري الدولي.

تعتبرُ عقود الكونسورتيوم (Consortium) واحدة من أهم الأدوات القانونية في تنفيذ المشاريع الكبيرة والمعقدة، وخاصة في القطاعات الحيوية، مثل البنية التحتية، والطاقة، والنقل، والصناعات الثقيلة.

وكلمة “Consortium” مصطلح لاتيني الأصل، يستخدم باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويعني “تحالف” أو “شراكة مؤقتة”؛ حيث يشيرُ في عالم الأعمال إلى تحالف عدة شركات أو كيانات قانونية، لتوحيد جهودها في مشروع محدد، لفترة زمنية معينة، وبعد الانتهاء من المشروع يحل المتحالفون هذا التحالف.

والهدف من عقود الكونسورتيوم هو تحقيق التكامل بين الشركات المختلفة، للاستفادة من خبراتها المشتركة، وتوزيع المخاطر بينها، خاصة في المشاريع التي تفوق قدرات أي شركة بمفردها؛ كمشاريع بناء المطارات، أو السدود، أو محطات الطاقة النووية، والتي تتطلب تمويلًا ضخمًا، وتكنولوجيا معقدة.

وتمتاز عقود الكونسورتيوم بأنها تجمع بين الكيانات ذات المهارات والخبرات المختلفة؛ فيمكن لشركة متخصصة في الهندسة المعمارية -على سبيل المثال- أن تتحالف مع شركة بناء عملاقة، وشركة أخرى متخصصة في التمويل، لتنفيذ مشروع تطوير بنية تحتية ضخمة؛ إذ سيسمح هذا التعاون بتوزيع الأدوار والمخاطر وفقًا للمهارات والقدرات المتاحة لكل طرف.

ومن التحالفات التي عقدت بين شركات كبرى بنظام الكونسورتيوم ذلك التحالف لبناء جسر أوريسند (Øresund Bridge) الذي يربط بين الدنمارك والسويد؛ حيث نفذت هذا المشروع العملاق مجموعة من الشركات تحت إطار الكونسورتيوم، حيث تولت كل شركة جزءًا محددًا من الأعمال مثل التصميم، البناء، والبنية التحتية. وقد كان التحالف بين الشركات أمرًا ضروريًا، نظرًا لتعقيد المشروع وكبر حجمه؛ فقد وزعت الأدوار بين شركات مختصة في الهندسة والتمويل والبناء، مما أدى إلى نجاح المشروع دون أي تأثير سلبي على الجدول الزمني أو التكاليف.

ومن هذه الشركات:

  Skanska (السويد) وقد تولت أعمال البناء.

  Hochtief (ألمانيا) والتي كانت مسؤولة عن أعمال الهندسة والبنية التحتية.

  Højgaard & Schultz (الدنمارك) والتي شاركت في التصميم والبناء.

  Monberg & Thorsen (الدنمارك) وقد ساهمت في أعمال البناء المعمارية والجسور.

وكذلك مشروع مترو الدوحة في قطر، حيث تشكل كونسورتيوم من عدة شركات دولية لتنفيذ هذا المشروع الضخم؛ إذ تتألف التحالف من شركات من دول مختلفة تشمل شركات إنشاءات وبنية تحتية من اليابان، إيطاليا، وفرنسا؛ ومن هذه الشركات:

Qatar Rail) قطر)، وهي الهيئة المنظمة للمشروع.

Salini Impregilo) إيطاليا)، وهي الشركة المسؤولة عن أعمال الحفر والبناء.

 SK Engineering & Construction)كوريا الجنوبية) والتي كان دورها أن شاركت في البناء والبنية التحتية.

 Larsen & Toubro)الهند)، والتي أسهمت في الأعمال المدنية والهندسية.

Samsung C&T Corporation) كوريا الجنوبية)، وهي شركة متخصصة في أنظمة البنية التحتية والنقل.

QDVC) وهو مشروع مشترك بين Vinci Construction الفرنسية وQatar Diar)، والذي عمل على الجوانب الهندسية والبناء.

وجدير بالذكرِ أن الكونسورتيوم يعكس فكرة توزيع المخاطر بين الأطراف، وتحقيق الاستفادة القصوى من خبرات متعددة في إدارة المشاريع العملاقة؛ إذ أن الشركات المشاركة في الكونسورتيوم تتقاسم المسؤوليات وفقًا لما اتفق عليه، حيث تتخصص كل شركة في مجال محدد ضمن المشروع.

ولا يعتبر الكونسورتيوم اندماجًا بين الشركات أو الكيانات المشاركة فيه، بل يكون لكل طرف من الأطراف المشتركة في التحالف استقلاله القانوني، ولكنه يشترك مع باقي الأطراف في المسؤولية العامة عن تنفيذ المشروع؛ فإذا كان التحالف مكونًا من ثلاث شركات، فإن كل شركة تتحمل المسؤولية عن الجزء الذي تقوم بتنفيذه، ولكن في النهاية يتحمل الكونسورتيوم كامل المسؤولية أمام العميل. ولذلك تتجلى أهمية تنظيم العقد بدقة من حيث الواجبات التي يفرضها الكونسورتيوم على أطرافه وتحديد مراكزهم القانونية، وتوضيح الأدوار، والمسؤوليات المالية والعقدية لكل طرف، وآليات الالتزام بالجدول الزمني للأعمال، حيثُ إن عملًا ما من أعمال طرف من أطراف الكونسورتيوم إذا تأخر فقد تتوقف على إنجازه باقي أعمال المشروع.

ولا يوجد تنظيم قانوني خاص أو مستقل لعقود الكونسورتيوم في القانون المصري، لكنها تُعتبر نوعًا من العقود التجارية التي تخضع للأحكام العامة الواردة في القانون المدني المصري وقانون التجارة المصري، حيث تنظَّم عقود الكونسورتيوم بناءً على المبادئ العامة للعقود والشراكات، مع مرونة في تحديد التزامات وحقوق الأطراف المشاركة.

فينظم القانون المدني المصري العقود وفقًا للمادة 147، التي تنص على أن “العقد شريعة المتعاقدين”، مما يعني أن الأطراف تتمتع بحريةٍ في تحديد شروط العقد، بما في ذلك عقود الكونسورتيوم، شريطة ألا تخالف الاتفاقات النظام العام والقواعد الآمرة بالقانون المصري، بما يعني أن اتفاقية الكونسورتيوم تكون سارية ومنتجة لآثارها وفقًا للشروط التي اتفق عليها أطرافها، طالما كانت متوافقة مع القواعد العامة للقانون وأحكام النظام العام.

وقد تنشأ مسؤولية تضامنية أو فرعية بين الأطراف المشاركة في الكونسورتيوم، ويعتمد ذلكَ على المتفق عليه بموجب العقد، وفي حال غياب نصٍ في العقدِ ينظم ذلك، فيرجع للقواعد العامة الخاصة بذلك في القانون واجب التطبيق؛ فإذا كان القانون المصري يرجع في ذلك إلى القانون المدني المصري الذي ينص على أن الأطراف المتعاقدة مسؤولة عن تنفيذ التزاماتها طبقًا للشروط المشروعة المتفق عليها.

وقد يلعب قانون التجارة المصري -إذا كان القانون المصري هو الواجب التطبيق- دورًا في تنظيم بعض الجوانب الخاصة بعقود الكونسورتيوم، خاصة إذا كان المشروع يتعلق بأعمال تجارية أو صناعية كبرى؛ فإذا كان الكونسورتيوم يهدف إلى تنفيذ مشروع مقاولات أو استثمارات كبيرة، يمكن أن تُطبق أحكام القانون التجاري المتعلقة بالعقود التجارية وأحكام التحكيم.

علاوة على ذلك، قد تتضمن عقود الكونسورتيوم بنودًا خاصة بحل النزاعات التي تنشأ عنها بطريق التحكيم لا بطريق القضاء، شريطة وجود شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم تشير إلى ذلك، استناداً إلى قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994، إذ يسمح ذلك  للأطراف بتسوية النزاعات خارج المحاكم من خلال آليات التحكيم المتفق عليها، بما يلبي متطلبات العمليات التجارية الدولية أو المحلية الكبرى، والتي لا يسعها انتظار العملية القضائية التي تطول عادةً، وتستهلك الكثير من الوقت، بما قد يؤدي إلى فوات المصلحة على النحو الذي يضر بالمشروع محل الكونسورتيوم، وبخاصة في النزاعات قد تتعلق بتأخير في التنفيذ أو زيادة في التكاليف.

فمن التحديات التي تواجه عقود الكونسورتيوم هي إدارة النزاعات التي قد تنشأ بين الأطراف المشاركة، وهنا تتضح أهمية صياغة وتحرير بنود واضحة في العقد، لتنظيم كيفية حل هذه النزاعات، سواء عبر التحكيم أو الوساطة أو التوفيق، ولذلك يجب أن يتم وضع آليات فعالة لضمان استمرار العمل دون تعطل المشروع.

وفي ضوء ذلك، يجب على الأطراف المكونة للكونسورتيوم الاتفاق على جميع التفاصيل المتعلقة بالمشروع، بما في ذلك تقسيم الأرباح والخسائر، وكيفية اتخاذ القرارات، وكيفية حل النزاعات دونَ اللجوء للقضاء، وبخاصة أن كافة ذلك يجري في غياب تنظيم قانوني صريح، فيصبح بذلك العقد نفسه هو الوثيقة الحاكمة التي يرجع إليها عند حدوث أي خلاف.

وختامًا نقولُ، إن عقود الكونسورتيوم تُعد من الأدوات القانونية الضرورية التي تتيح تنفيذ مشاريع ضخمة ومعقدة من خلال توحيد قدرات الشركات وتوزيع المسؤوليات بشكل فعال؛ إذ تتيح للشركات الاستفادة من التحالفات المؤقتة لتحقيق أهداف مشتركة في المشاريع الكبرى، مع الحفاظ على استقلالها القانوني والتجاري؛ ولأنها من الأدوات القانونية الهامة، فيجب على المحامي عمومًا والمتخصص في صياغة العقود التجارية والنزاعات الناشئة عنها أن يكون ملمًا بها، حيثُ إن عقود الكونسورتيوم تثير إشكالية أخرى تتمثل في تحديد النظام العقدي الخاص بالأطراف إن كان ثنائيًا أم تعدديًا؛ حيث إن هناك اتجاه يقضي بأنه مهما تعددت الأشخاص في العقد الواحد فيظل العقد ثنائي الطرف، في حين أن العقود التجارية والعقود الإدارية الحديثة تؤكد من ناحية أخرى على إنه يجوز أن تكون الأطراف متعددةً، وهو أمرٌ سيفصلُ في كيفية الفصل في النزاعات بالوسائل الناعمة أو التحكيم أو القضاء، وهو الامر الذي سنثيره في مقال قادم إن شاء الله.