شركة المحاصة التجارية في ضوء أحكام القانون محكمة النقض المصرية

شركة المحاصة التجارية في ضوء أحكام محكمة النقض المصرية

Joint stock company and the Court of Cassation

 

مذكرة شارحة للمواد من 59 حتى 65 من قانون التجارة الصادر بالأمر العالي سنة 1883 الميلادية

بقلم الأستاذ/ محمود سلامة، المحامي بالاستئناف
ماجيستير القانون الخاص والتجارة الدولية 

تمهيد 

نشأت شركة المحاصة Joint stock company بادئ الأمر بلجوء أصحاب المشاريع والأموال في القرون الوسطى بهدف التحايل على تحريم الكنيسة للقروض الربوية، باعتبارها شكلًا من أشكال عقد التوصية البسيطة، فأدى هذا العقد إلى ظهور أول أشكال شركة المحاصة، وبما أن هذا العقد قائم على الثقة المتبادلة بين أطرافه، فاعتبرت هذه الشركة من شركات الأشخاص.[1] وقد ذكر “جاك سافريه” سنة 1673 شركة المحاصة في كتابه Parfait Négociant le حيث أطلق عليها اسم “الشركة ذات الاسم المغفل” أو”الشركة المجهولة” غير أن هذه المجموعة التجارية جاءت خالية من أحكام هذه الشركة. (2)

وقد سميت علاقة المحاصة في قانون التجارة الفرنسي الصادر عام 1807 باسم “جمعية المحاصة” وهي التسمية التي انتقدت، فاعتبر المشرع الفرنسي بهذ النقد ليحذف مسمى “جمعية المحاصة” مستبدلًا إياها باسم “شركة المحاصة” في قانونه التجاري الصادر عام 1966. (3)

وقد سبق المشرع المصري المشرع الفرنسي في الاعتبار بالمحاصة كونها شركة، فقد صدر قانون التجارة المصري بالأمر العالي من خديوي مصر بعام 1883، والذي لا يزال ساريًا حتى تاريخ هذه الصفحات في 14/1/2023 بخصوص شركات الأشخاص، وقد ألغيت منه كافة مواده عدا الفصل الأول من الباب الثاني في الشركات، والتي صنفت بعد ذلك بشركات الأشخاص، حيث نصت المادة الاولى من القانون رقم 17 لسنة 1999 على أن ” يلغى قانون التجارة الصادر بالأمر العالى فى ١٣ من نوفمبر سنة ١٨٨٣ ،عدا الفصل الأول من الباب الثانى منه والخاص بشركات الأشخاص”

وقد وقع الفصل الثاني بين المادة 19 منه حتى المادة 65. وقد صنف الشركات إلى ثلاثة أنواع بمادته التاسعة عشر والتي نصت على أن “الشركات التجارية المعتبرة قانونا ثلاثة أنواع :

النوع الأول : شركة التضامن.

النوع الثانى : شركة التوصية.

النوع الثالث : شركة المساهمة.

وتتبع فى هذه الشركات الأصول العمومية المبينة فى القانون المدنى والشروط المتفق عليها بين الشركاء والقواعد الآتية: … إلخ

الشرح والتعليق 

ونتناول الآن نصوص قانون التجارة من المادة (59) حتى المادة (64) من قانون التجارة الصادر بالامر العالي عام 1833 بخصوص شركة المحاصة فيما يلي:

المادة (59)

وزيادة على أنواع الشركات الثلاثة السالف ذكرها تعتبر أيضا بحسب القانون الشركات التجارية التى ليس لها رأس مال شركة ولا عنوان شركة وهى المسماة بشركات المحاصة.

فقد قررت المادة بكون المحاصة التجارية شركة؛ فقد زادها القانون على أنواع الشركات الثلاثة المعتبرة بالمادة (19) ولم يذكرها بهذه المادة كون شركة المحاصة ذات طبيعة خاصة، وإن كانت في نظر القانون قائمة على ذات الاعتبارات التي تقوم عليها الشركات المذكورة بالمادة (19) إلا أنها تختلف عنها في قيامها حيث تكون بلا عنوان محدد لها رأس مالٍ معين، واختلافها عنها.

والمحاصة لغة، هي تقسيم الحصص بين المستحقين، أي أن المحاصة هي علاقة الشراكة القائمة بين المحاصين على أساس الحصص المشترك بها سيان كانت نقدية، أي مقدمة نقدًا، أو عينية، أي مقدمة في صورة منقولٍ أو عقار، أو معنوية، كأن تكون مقدمة في صورة جهد مبذول أو قيمة مستخلصة من جهد فكري ومنها براءات الاختراع، وحيث لم يحدد القانون شكلًا محددًا للحصص المذكورة فإنها لابد وأن تعني كل ما يقدمه الشريك وله قيمة معلومة أو مقدرة.

ولا يعبر عن الحصص بنسبة مئوية في رأس مال حيث لا رأس مال للشركة من الأساس بحسب المادة 59 سالفة البيان، حيث تقسم الأرباح أيضًا بناء على ما يتفق عليه الشركاء لا بناء على نسبة تعادل نسبة الحصة في مجموع الحصص المقدمة، فبحسب نص المادة السابقة تخضع الأرباح لما يتفق عليه الشركاء، وفي كل حال يجوز للشركاء في شركات الأشخاص -غير شركة المحاصة غير ذات رأس المال- الاتفاق على أن تكون الارباح بنسب محددة سلفًا لا تتبع نسبة أحدهم في رأس المال.

ومن نص المادة يتبين اختلاف شركة المحاصة عن شركات الاشخاص في كونها ليست ذات رأس مال، وليس من عنوان لها، وبالتالي فلا شخصية اعتبارية لها مستقلة عن أشخاص المحاصين كما الحال في شركات الأشخاص. فقد نصت المادة (53) على أن:

1: الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازمًا لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك في الحدود التي قررها القانون

2: فيكون له: (أ) ذمة مالية مستقلة.

(ب) أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه، أو التي يقررها القانون.

(جـ) حق التقاضي

(د) موطن مستقل: ويعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته. والشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها نشاط في مصر يعتبر مركز إدارتها، بالنسبة إلى القانون الداخلي، المكان الذي توجد فيه الإدارة المحلية.

3: ويكون له نائب يعبر عن إرادته.

وحيث أن شركة المحاصة لا تتمتع بما يتمتع به الشخص الاعتباري بحسب المادة 53 من القانون المدني، فإنها لا تتمتع بالأصل بكونها شخصية اعتبارية مستقلة عن شخصيات الشركاء المكونين لها (المحاصين).

وقد قررت محكمة النقض أنه “وإن كانت كانت شركة المحاصة تنعقد في الغالب لمعاملات محدودة ولمدة قصيرة، إلا أن هذا ليس هو الوصف المميز لها، وإنما يميزها عن غيرها أنها شركة مستترة، فلا عنوان شركة لها ولا وجود لها أمام الغير، والأعمال التي يقوم بها أحد الشركاء فيها تكون باسمه خاصة، ويكون وحده المسؤول عنها قبل من تعامل معه” (الطعن رقم 28 لسنة 20 القضائية، س 3 مكتب فني، ص 421 بتاريخ 31/1/1952)

 

مادة 60

تختص هذه الشركات بعمل واحد أو أكثر من الأعمال التجارية وتراعى فى ذلك العمل وفى الإجراءات المتعلقة به وفى الحصص التى تكون لكل واحد من الشركاء فى الأرباح الشروط التى يتفقون عليها.

 

فقد تقوم الشراكة بين أطراف شركة المحاصة للقيام بعمل تجاري واحد، معينًا ومحددًا بالاتفاق بينهم، أو عدة أعمال تجارية تكون متفق عليها تحديدًا، فيكون الهدف من الشراكة بالمحاصة ليس تحقيق الأرباح عمومًا، وإنما للقيام بعمل تجاري محدد أو أكثر وبانتهائهم تكون العلاقة بينهم قد انقضت فيما يخص المستقبل في غير آثارها الناشئة عن المسؤولية العقدية أو التقصيرية التي تنشأ بين أطرافها.

وتتميز شركات المحاصة بذات الأركان الموضوعية اللازمة لعقود شركات الأشخاص، وهي:

الإرادة: فتقوم الشركة بإرادة المحاصين المتمتعين بالأهلية التجارية، على أن تكون إرادة سليمة غير معيبة.

والمحل: ويكون محلها عملية أو عمليات تجارية، وذلك بحسب نص المادة الراهنة؛ فيجب أن يكون العمل أو الأعمال التجارية محددة ومتفق عليها مسبقا/ حيث أن شركة المحاصة –وبحسب المادة الراهنة- تخضع في إجراءها للعمل أو الأعمال التجارية ما يتفق عليه المحاصون تطبيقًا للقاعدة القانونية المدنية الراسخة بأن العقد شريعة المتعاقدين ما لم يخالف النظام العام أو قواعدا لقانون الآمرة.

السبب: ومما سبق وما استقرت عليه القواعد العامة، يجب أن يكون سبب شركة المحاصة سببًا مشروعًا، فتكون التجارة مشروعة، وأن تتوافر المشروعية التجارية للمحاصين، فلا يشوب السبب بطلان يخرج شركة المحاصة عن مشروعيتها المقررة بموجب هذا القانون.

كما يخضع توزيع الأرباح والخسائر بين الشركاء المحاصين لا على أساس حصصهم، حيث لا يكون لها نسبة في رأس مالٍ متكون من حصص الشركاء، وإنما على أساس اتفاق الشركاء المحاصين على ذلك، حيث تختلف طبيعة الحصص عن بعضها، فتكون الحصص في ذاتها أساسًا لقيام المحاصة لا سببًا لها، إذ يكون السبب هو تحقيق أرباحٍ تجارية أو صناعية مشروعة.

مادة 61

من عقد من المحاصين عقدا مع الغير يكون مسئولا له دون غيره.

 

فشركة المحاصة هي شركة ذات طبيعة مستترة بخلاف الشركات التجارية الأخرى، أي أن الشريك الذي يقوم بالأعمال التجارية التي هي محل الشركة يكون وحده ظاهرًا، فيقوم بهذه العمليات بشخصه وباسمه الخاص لا باسم الشركة، فكونها مستترة فهي لا تحمل اسمًا، وليس لها عنوانًا، ولا تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن الشركاء المحاصين أو عن الشريك الظاهر (مدير المحاصة) تحديدًا.

وقد قررت محكمة النقض بان “المقصود باستتار شركات المحاصة هو أنه لا وجود لها بالنسبة إلى الغير وليس لها شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الشركاء المكونين لها، فإذا عقد أحد الشركاء المحاصين عقدًا مع الغير كان –وحده- المسؤول عنه قبل هذا الغير دون سائر الشركاء. ولا يعني استتار هذا النوع من الشركات أن يكون هؤلاء الشركاء بمعزل عن العملية أو العمليات التي تكونت الشركة للقيام بها، بل إن لهم مناقشة مدير المحاصة فيما يجريه من أعمال لغدارة الشركة وتكليفه بتقديم حساب لهم عن هذه الإدارة” (الطعن رقم 350لسنة 34 القضائية، س 19 مكتب فني، ص 588 بتاريخ 21/3/1968)

فقيام شركة محاصة مستترة في صفقة ما، لا يجعل الشركاء فيها مسؤولين عن تعاقد الغير عليها مع أحد الشركاء باسمه الخاص مالم يثبت أن الشركاء قد اتفقوا على خلاف ذلك، أو صدر منهم إقرار بالاشتراك في التعاقد. ولا يكفي لمساءلة الشركاء مباشرة قبل الغير القول المجرد الذي قد يصدر من أحدهم بانه شريك في الصفقة إذا لم يقرن هذا القول بالإقرار بانه طرف في التعاقد.

إذ أن اشتراك بعض الأشخاص في صفقة ما لا يفيد لزامًا إنهم طرف في العقد الذي أبرم عن هذه الصفقة مع الغير حتى يسألوا عنه جميعًا قبله. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد استظهر من أوراق الدعوى ذلك وكان ما يحصله قاضي الموضوع في هذا الخصوص هو من قبيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير الدليل المقدم فيها فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون أو شابه القصور” (الطعن رقم 407 لسنة 30 القضائية، جلسة 2/11/1965، س 16 مكتب فني، ص 947)

وبناء على ما تقدم فلا يجوز للشركاء الرجوع على المتعاقد مع مدير المحاصة (الشريك الظاهر) إلا إذا كان الاتفاق على ذلك وكانوا طرفًا في العمليات التجارية بشكل ثابتٍ لا بأقوالٍ مجردة. وكذلك لا يجوز الرجوع على أحد الشركاء من المتعاقد مع غيره منهم إذا لم يكن طرفًا في الاتفاق المبرم بين المتفق من المحاصين وبين الغير.

ويؤكد ما سبق ما قررته محكمة النقض في أحد أحكامها بأنه يمتنع على الشريك في شركات المحاصة “… مطالبة الغير بتنفيذ العقود التي أبرمها شريك آخر. تحمل الشركاء فيها آثار العقود التي يبرمها أحد المحاصين مع الغير تحقيقًا لاغراض الشركة باعتباره وكيلًا عنهم. حق من تعاقد منهم باسمه مع الغير لحساب الشركة في الرجوع على شركائه في حالة الخسارة وتحميلهم نصيبهم فيها. المادة 61، 62 تجارة. انتهاء الحكم إلى تقدير التزام الطاعن وحده بالمبالغ المتأخرة من الثمن لمجرد أنه هو الذي عقد الصفقة ورفع الدعوى باسمه وتصالح على طريقة السداد وحصل جزءًا من الدين المحكوم به مع أن هذا لا يفيد في ذاته أن التعاقد لم يكن لحساب شركة المحاصة القائمة بينه وبين المطعون عليه. فساد في الاستدلال” (الطعن رقم 426 لسنة 25 القضائية جلسة 25/2/1960)

مادة 62

الحقوق والواجبات التى لبعض الشركاء على بعض فى هذه الشركات تكون قاصرة على قسمة الأرباح بينهم أو الخسارة التى تنشأ عن أعمال الشركة سواء حصلت منهم منفردين أو مجتمعين على حسب شروطهم.

وقد قصرت المادة الالتزام المتمثل فيما للشريك من حق وما عليه من واجب على توزيع الأرباح والخسائر؛ مع العلم بعدم ارتباط قسمة الربح والخسارة بنسبة مئوية لحصص الشركاء من مجموع الحصص، وإنما يرجع تحديد قسمة الأرباح لما اتفق عليه الشركاء المحاصين.

ويرجع ذلك لكون شركة المحاصة مستترة غير متمتعة بالشخصية المعنوية، وأن ليس لها رأس مالٍ؛ كما يرجع ذلك إلى كون السبب في إقامتها تحقيق الأرباح أو المنافع المرجوة من عملية أو عمليات تجارية محددة بالاتفاق سلفًا، فلا تكون قائمة إلا في حدود العمليات المتفق عليها، بما يكون أثره عدم ورود التصفية على شركة المحاصة، وذلك وفقًا لما قضت به محكمة النقض من أن “شركة المحاصة. عدم تمتعها بالشخصية المعنوية وليس لها رأس مال. م59 ق التجارة. مؤداه عدم ورود التصفية عليها وانتهاؤها بإتمام المحاسبة بين الشركاء. بقاء الشريك مالكًا للحصة التي يقدمها ويستردها عند انتهاء الشركة (طعن رقم 352 لسنة 59 القضائية جلسة 4/1/1996 ونقض جلسة 21/3/1968 س 19 مكتب فني ص 588 العدد الأول، ونقض جلسة 20/1/1976 س 27 مكتب فني ص 245 العدد الأول)

ومؤدى نص المادتين السابقتين امتناع الشريك في شركة المحاصة مطالبة الغير بتنفيذ العقود التي أبرمها شريك آخر، وأن الشركاء فيها يتحملون آثار العقود المبرمة تحقيقًا لغرضها في حدود المكسب والخسارة، فيكون لهم المكسب وعليهم الخسائر يتقاسمونها سلبًا وإيجابًا، وبناء عليه فإن الشريك المحاص المتعاقد مع الغير أن يرجع على باقي الشركاء فيطالبهم بنصيبهم من الخسارة.

وقد قررت محكمة النقض بأنه “إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى في أسبابه إلى تقرير التزام الطاعن وحده بالمبالغ المتأخرة من ثمن الشعير المسلم إلى وكيلين بالعمولة، وذلك لمجرد أنه هو الذي عقد معهما الصفقة ورفع الدعوى عليهما باسمه وتصالح معهما على طريقة السداد وحصل جزءًا من الدين المحكوم به ضدهما، مع أن هذا لا يفيد في ذاته أن التعاقد لم يكن لحساب الشركة القائمة بين الطاعن والمطعون عليه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد عاره فساد في الاستدلال مما يجعله قاصرًا متعينًا نقضه” (الطعن رقم 426 لسنة 25 القضائية، جلسة 25/2/1960، س 11 مكتب فني، ص 198)

وقد اختلف الفقهاء في طبيعة الشركاء بشركة المحاصة من حيث كونهم تجارًا أم لا، فترى الأستاذة الدكتورة سميحة القليوبي بأن الشركاء جميعهم في شركة المحاصة يتسمون بصفة التاجر وذلك لتوافر ركن الاحتراف في شانهم، إما بطريقة مباشرة متى قاموا جميعًا بالاعمال التجارية موضوع النشاط الذي تقوم به الشركة، وإما بطريقة غير مباشرة إذا ما عينوا مديرًا للمحاصة، لأن المدير رغم أنه يقوم وحده بمباشرة الاعمال التجارية ويتعاقد باسمه الشخصي غلا انه يمارس هذه الاعمال لحساب كافة الشركاء الذين يتحملون نتائج المشروع بين الربح والخسارة.

بينما يرى الأستاذ الدكتور سمير الشرقاوي بأن مدير المحاصة (الشريك الظاهر) وحده هو الذي يكتسب صفة التاجر، وكذلك الشريك الذي يتعامل مع الغير، ويتوافر في كل منهما ركن الاحتراف، فيجوز شهر إفلاس كل منهما دون باقي الشركاء.

ونحن نرى رجحان رأي الدكتور سمير الشرقاوي عن رأي الدكتورة سميحة القليوبي كما ترجحه أحكام محكمة النقض.

 

 

مادة 63

يجوز إثبات وجود شركات المحاصة بابراز الدفاتر والخطابات.

 

بداية، نقول إنه كان من الأولى أن يكون نص المادة (64) هو الذي يحمل رقم المادة (63) كونه القاعدة التي ينبني عليها نص المادة (63) بشكله الحالي. أي أنه كان من الاولى أن يستبدل نص المادتين (63) و (64) كل مكان الآخر. حيث أن الإجراءات المقررة للشركات الآخرى توجب أن يكون عقد الشركة مكتوبًا، وأن تدرج الشركة بالسجل التجاري، وأن تكون لها شخصية معنوية مستقلة تلتزم بموجبها بسداد الضرائب عن الأرباح الصناعية والتجارية، فلا يعتبر العقد المكتوب طريقًا لازمًا لإثبات قيام الشركة، وإنما العقد المكتوب جائز حيث لم يشترط القانون الكتابة في عقد شركة المقاصة والاكتفاء بقيامه دون كتابة. فقد اشترط القانون المدني أن “يكون عقد الشركة مكتوبًا وإلا كان باطلًا. صيرورة عقد الشركة عقدًا شكليًا. عدم جواز إثباته بين طرفيه بغير الكتابة. عدم جواز الاتفاق على إثباته بغير هذا الطريق” (طعن رقم 2019 لسنة 42 القضائية جلسة 25/2/1960).

وفي الحقيقة لا تعارض بين نصوص القانون المدني المشار لفحواها بهذا الحكم وبين ما قررته المادة 64 من قبيل الخاص الذي يقيد العام باعتبار أن قواعد القانون المدني هي العامة والتي تسري على الشركات المذكورة بالمادة (19) منه على نحو ما بيننا، ولذلك لكون المتبع في شركات المحاصة يعتبر قاعدة خاصة تقيد العام فقد أفرد القانون لها نصا خاصًا لبيانها دون النص على الشركات المعتبرة قانونًا بالمادة (19) منه.

فقد  قضي بأن قانون التجارة لم يوجب الكتابة للاثبات إلا بالنسبة إلى عقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة، أما شركات المحاصة فإثبات وجودها بالبينة جائز؛ والمستفاد من مجموع نصوص القانون التجاري في باب الشركات، ومن مقارنة هذه النصوص بعضها ببعض، أن المشرع لم يرَ وضع قيود خاصة لإثبات شركة المحاصة، كما فعل بالنسبة إلى غيرها من الشركات، بل إنه تركها خاضعة في هذا الخصوص للقواعد المقررة للإثبات في المواد التجارية بصفة عامة.

مادة 64

لا يلزم فى شركات المحاصة التجارية اتباع الإجراءات المقررة للشركات الأخرى.

 

فشركة المحاصة –وبعكس باقي شركات الأشخاص- لا يلزم تسجيلها وقيدها بالسجل التجاري، كونه مستترة، وقد تكون شركة المحاصة محددة المدة، وقد تكون غير ذلك غير ملتزمة بزمن معين أو شروط معينة تنقضي فيها، وذلك بخلاف ما يلزم من تحديد مدة في عقود الشركات عمومًا ومنها شركات الأشخاص؛ وإذ لا تخضع لقواعد التصفية التي تخضع لها كافة الشركات بحسب ما رسمه لها القانون من طريق للتصفية.

فقد قررت محكمة النقض بأنه و “لئن كان الأصل في شركات الأشخاص أنها تنقضي بوفاة أحد الشركاء، إلا انه وفقًا لنص الفقرة الثانية من المادة 528 من القانون المدني يجوز الاتفاق على أنه إذا مات أحد الشركاء تستمر الشركة مع ورثته ولو كانوا قصَّرًا.

فإذا كان قد نص في عقد الشركة على أنه في حالة الوفاة يكون لورثة الشريك المتوفي أن يطلبوا التصفية أو أن يستمروا في الشركة بنفس شروط العقد فيما يختص بالنسبة للشريك المتوفي من شروط والتزاماتن فإن مفاد ذلك أن الشركاء اتفقوا في عقد الشركة على استمرارها مع ورثة الشريك المتوفي إلا إذا طلب هؤلاء تصفيتها، فغن لم يفعلوا فإنها مستمرة معهم (الطعن رقم 27 لسنة 33 القضائية، جلسة 19/1/1976، س 18 مكتب فني، ص 156)

ولكن محكمة النقض قد استثنت شركة المحاصة من خضوعها لقواعد التصفية التي تخضع لها شركات الأشخاص بانها قد قررت أن “التصفية لا ترد على شركة المحاصة لأنها لا تتمتع بالشخصية المعنوية، وليس لها رأس مال وفقًا لما نصت عليه المادة 59 من قانون التجارة، وإنما تنتهي هذه الشركة بإتمام المحاسبة بين الشركاء لتعيين نصيب كل منهم في الربح والخسارة (الطعن رقم 151 لسنة 40 القضائية، جلسة 20/1/1976، س 27 مكتب فني، ص 245)

فنظرًا لانتفاء الشخصية القانونية الاعتبارية عن شركة المحاصة، فإنها لا تخضع لقواعد التصفية المقررة قانونًا لباقي الشركات المتمتعة بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن شركائها، فلا يعدو كون تصفية شركة المحاصة ضربًا من التسوية المحاسبية للوقوف على نصيب كل شريك من الربح أو الخسارة بما لا يستلزم معه تعيين مصفٍ قضائيٍّ، فيجوز أن تتم بمعرفة الشركاء أو عن طريق أحد المحاسبين.

وبناء على ما سبق، فإن شركة المحاصة شركة صحيحة، لها وجود قانوني ولنها فقط لا تتمتع بالشخصية المعنوية، وهذا الوجود القانوني يكون بين الشركاء فقط لوجود خاصية الاستتار والخفاء، ولذلك فهي معفاة من الأحكام الشكلية (الكتابة، القيد، والنشر) وليس لها ذمة مالية ولا تخضع لإجراءات التصفية، بعكس الشركات الفعلية.(4)

مادة 65

كل ما نشا عن أعمال الشركة من الدعاوى على الشركاء الغير مأمورين بتصفية الشركة أو على القائمين مقامهم يسقط الحق فى إقامته بمضى خمس سنين من تاريخ انتهاء مدة الشركة إذا كانت المشارطة المثبتة فيها مدتها أعلنت بالكيفية المقررة قانونا أو من تاريخ إعلان الاتفاق المتضمن فسخ الشركة.

وتتبع فى ذلك القواعد العمومية المقررة لسقوط الحق بمضى المدة مع مراعاة القواعد المقررة لانقطاعها.

فقد تنشأ دعاوى قضائية عن أعمال شركة المحاصة، ولكن إقامة هذه الدعاوى رهين بميعاد انقضاء الحق في في إقامتها، والذي حددته المادة بخمس سنين، تبدأ من تاريخ انتهاء مدة الشركة إذا كانت محددة المدة، وتكون محددة المدة كتابة، إذ أشارت المادة أن انتهاء مدة الشركة تكون ثابتة بمشارطة (عقد اتفاق) على أن تكون قد أعلنت مدتها بالكيفية التي يقررها القانون، كما تبدأ الخمس سنوات الخاصة بانقضاء الحق في الادعاء القضائي من تاريخ إعلان اتفاق الشركاء المتضمن فسخ الشركة.

ويعتبر التقادم في هذه المادة تقادمًا مسقطًا، فهو يسقط الحق في المطالبة القضائية بفواته دون اتخاذ إجراءات المطالبة. فقد قررت الفقرة الثانية من المادة الراهنة بأن القواعد المتبعة لسقوط الحق بمضي المدة هي القواعد العمومية المقررة لذلك، وهي القواعد التي قررتها نص المادة   (374) من القانون المدني والتي نصت على أنه “يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون” وحيث يعتبر ما نصت عليه المادة 65 حالةً ورد عنها نص خاص، وإعمالًا لقاعدة تقيد العام بالخاص، وحيث أن القاعدة العامة قد نصت على إباحة القواعد الخاصة، فلا تعارض بين المادتين بما يجعل مدة سقوط الحق في إقامة الدعوى القضائية خمس سنوات يسقط الحق في إقامة الدعوى العمومية بفواتها، وتبدأ من تاريخ انتهاء الشركة بحسب المدة المحددة بمشارطتها –أي العقد المنشأ لها- أو من تاريخ إعلان الاتفاق بفسخها.

ولهنا قد نكون انتهينا من مذكرتنا في شرح المواد الخاصة بشركة المحاصة في القانون التجاري الصادر بالأمر العالي لسنة 1883 الميلادية، والتي لا تزال سارية حتى تاريخ كتابة هذه السطور التي أتمنى من الله أن تكون نافعة لقارئها بما اشتملت عليه من شروح وآراء وأحكام. انتهى

الهوامش:

(1) (فتيحة يوسف المولودة عماري، أحكام الشركات التجارية، الطبعة الثانية، دار الغرب للنشر و التوزيع، وهران،2002،ص203)

(2) (نادية فوضيل، أحكام الشركة طبقا للقانون التجاري الجزائري، (شركات الأشخاص)، الطبعة السابعة، دار الهومة، الجزائر، 2002، ص241)

(3) (محمد فريد العريني، القانون التجاري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1977، ص 379) 

(4)  (محمد فتاحي، الشركة التجارية الفعلية في التشريع الجزائري، مجلة العلوم القانونية والسياسي، عدد 13، يونيو 2016)