
يُعدُّ نظام العمل السعودي من الركائز القانونية والتنظيمية التي تلعب دورًا محوريًا في بناء بيئة عمل مستقرة ومستدامة داخل المملكة العربية السعودية؛ وقد استهدف المنظم السعودي به تحقيق التوازن بين حقوق وواجبات العمال وأصحاب العمل، بحيث يضمن إطارًا عادلًا، يعزز الإنتاجية، ويحافظ على حقوق جميع الأطراف.
وعلى مر العقود، شهد نظام العمل السعودي تطورًا كبيرًا ليتماشى مع احتياجات سوق العمل المتغيرة، وليعكس الطموحات الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى المملكة إلى تحقيقها، خاصة مع إطلاق رؤية السعودية 2030.
وجدير بالذكر أن نظام العمل في المملكة قد نشأ كرد فعل على التطورات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في أوائل القرن العشرين؛ فمع بدايات تأسيس الدولة السعودية الحديثة، كانت الأنشطة الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على الزراعة، والتجارة، وأعمال البناء، مما دفع الدولة إلى البحث عن طرق لتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال. ومع زيادة الحاجة إلى العمالة في ظل مشاريع التنمية الحديثة، صدرت أنظمة (قوانين) أولية لحماية حقوق العمال وضمان الحد الأدنى من العدالة في بيئة العمل.
ففي عام 1969م، أُصدر أول نظام عمل سعودي شامل، وهو ما مثّل الخطوة الأولى نحو تنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعاملين بشكل رسمي. وقد ركز هذا النظام على الجوانب الأساسية مثل ساعات العمل، الأجور، والإجازات، لكنه بقي بسيطًا نسبيًا ليتناسب مع طبيعة الاقتصاد في تلك الحقبة؛ ومع مرور الوقت، وتوسع الاقتصاد السعودي، ودخول قطاعات جديدة، ظهرت الحاجة إلى تحديث هذا النظام ليصبح أكثر شمولية وتعقيدًا.
وأعقب نظام 1969م نظام العمل الصادر عام 2005م كنقلة نوعية في التشريعات العمالية بالمملكة، والذي أتاح تطويرًا شاملًا للقوانين التي تحكم سوق العمل، حيث أضاف مواد تُعنى بحماية حقوق العمال، وتنظيم العلاقة بينهم وبين أصحاب العمل بشكل واضح ودقيق عما كان عليه الأمر سابقًا.
ومن أبرز النقاط التي تناولها النظام آنذاك، تنظيم ساعات العمل اليومية والأسبوعية، توفير إجازات سنوية ورعاية طبية، إلى جانب حماية حقوق المرأة العاملة من التمييز وتشجيع مشاركتها في سوق العمل. كما قدم النظام مواد تضمن إنهاءً عادلاً للعقود، إضافة إلى تعويضات نهاية الخدمة.
ومع إطلاق رؤية السعودية 2030، أصبح تحديث نظام العمل ضرورة مُلحة، حيث تُعتبر بيئة العمل المحفزة عاملًا أساسيًا لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، والتي تسعى إليها المملكة؛ ومن هنا، شهد النظام سلسلة من التعديلات التي تهدف إلى تعزيز مرونة سوق العمل، وضمان توافقه مع المعايير الدولية؛ ومن بين هذه التعديلات: تنظيم العمل المرن، وتشجيع العمل الجزئي والعمل عن بُعد، وإلزامية العقود المكتوبة، مما ساهم في تقليل النزاعات العمالية، وضمان حقوق العامل وصاحب العمل على حد سواء، بحيث أصبحت التعديلات التي اعتمدت في عام 2024 داعمة لهذه الجهود.
وقد ركزت هذه التعديلات على العديد من الجوانب التي تعزز العلاقة بين العامل وصاحب العمل، والتي من أبرزها: تحديد فترة التجربة بـ 180 يومًا كحد أقصى، لضمان وضوح العلاقة بين الطرفين منذ البداية، مع السماح بإنهاء العقد من قبل طرفيه خلال هذه الفترة دون التزامات على عاتق العامل أو صاحب العمل. كما ألزمت التعديلات أصحاب العمل بتوضيح كافة شروط العمل داخل العقود المكتوبة، سواء للعمال السعوديين أو غير السعوديين، بما يحفظ حقوق الجميع ويقلل من حالات سوء الفهم أو الاستغلال.
وإلى جانب ذلك، شملت التعديلات تنظيم إجراءات التظلم من قرارات العمل، حيث أصبح للعمال الحق في تقديم شكاوى أو اعتراضات على القرارات التي تمس حقوقهم بطريقة قانونية واضحة وشفافة.
كما حرص النظام على تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل، من خلال وضع تشريعات تمنع التمييز ضدها، وتضمن حصولها على فرص متساوية مع الرجل في الأجور والترقيات.
ولم يقتصر نظام العمل السعودي على حماية حقوق العامل فقط، بل أصبح أداة مهمة لتحفيز الاقتصاد وجذب الاستثمارات، فوجود نظام قانوني واضح وعادل، يعزز ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، يدفعهم إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في السوق السعودي.
وجدير بالذكرِ أن بيئة العمل المستقرة المحفزة، التي يدعمها نظام العمل السعودي، انعكست إيجابيًا على زيادة إنتاجية العاملين، وتحقيق الاستقرار في سوق العمل، وكذلك أسهمت التعديلات في خلق فرص وظيفية جديدة، وتشجيع المزيد من المواطنين والمواطنات على الانضمام إلى سوق العمل، وهو الأمر يعزز من جهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة.
وختامًا: فإن نظام العمل السعودي يُعد اليوم نموذجًا يُحتذى به في المنطقة، حيث يعكس التزام المملكة بتطوير بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد سعيها المستمر لتحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين على أرضها، وعلى أساس من ذلك فإننا توقع أن يستمر هذا النظام في تحقيق أهدافه مع المزيد من التطورات التي باتت تتطلب المزيد من التعديلات المواكبة لسوق العمل والبيئة الاقتصادية السعودية، والتي نتوقع أن تكون عما قريب.